دور الخيال العلمي في تطوير الدول

المقالات

دور الخيال العلمي في تطوير الدول

  في غضون فترة السبعينيات من القرن العشرين، بدأ استخدام الدول للخيال العلمي على نطاقٍ واسعٍ في مختلف الفصول الدراسيّة والمناهج في الدول المتقدمة تقنيًّا على المستوى الثانويّ والجامعيّ، حيث يوضّح الجمال الحقيقي والعظمة الصادقة للعالم والكون من حولنا، سواء أكانت مجرة تزخر ببلايين النجوم، أو نقطة ماء تكتظ بالحياة الخفيّة الدقيقة.

لغة العصر

     إنّ الخيال العلمي هو لغة العصر، ومن أهم الوسائل في عصرنا الحاضر التي يمكن عن طريقها إعداد الأفراد للمستقبل بما يحمله من مفاجآتٍ وثوراتٍ علميّةٍ، وغزواتٍ فضائيّة، واقتحام الكواكب، وقيام عالمٍ جديدٍ حيث إنّ تنمية الخيال العلمي هو المقدمة الأولى للابتكار، والاختراع، والذكاء باكتشاف العلاقات، وتخيّل التطوير والتحديث لما يفكّر فيه الإنسان، فالخيال بصفةٍ عامّة ليس بالشيء المنفصل عن الواقع، ولا بالشيء الحرّ المطلق الذي لا يتصل بمجالات الحياة التي نعيش فيها، فالفرد نفسه بل كلّ ما يعتقده أو يفكر فيه ما هو إلا حصيلة التجارب والخبرات التي اكتسبها نتيجة التفاعل المستمر بينه وبين المحيط الذي يوجد فيه، فالخيال إذن هو تلك القدرة عل تصوير الواقع في علاقات جديدة، والقدرة على تقمّص الأشياء وتمثيلها.

     إنّ الخيال العلمي يعدّ القوة الأساسيّة الفعالة وراء كلّ إبداعٍ واختراع، كما يعدّ أحد المنافذ الهامة لدراسة المستقبل، فما من اختراع أو اكتشاف علميّ تمّ التوصّل إليه؛ إلا وكان يسبقه الخيال العلمي، فبدون وجود الخيال العلمي لما تمكّنت البشرية من الوصول إلى ما هي عليه الآن من الاكتشافات والإنجازات العلميّة المختلفة، حيث يهدف في الأساس إلى دفع العقل للتفكير في آفاقٍ أكثر سعة، وتنمية تفكير المتعلّمين بشكلٍ علميّ، وإكسابهم القدرة على حلّ ما يواجههم من مشكلات حياتيّة.

     فالخيال العلمي يرتبط بحاجات الإنسان في كافة الدول، وتطلعاته في السيطرة على الواقع الذي يعيشه، ويمكن أن يتحقّق في المستقبل، ولهذا فإنّه يؤسّس على مبادئٍ علميّة سليمة، الأمر الذي يجعل منه مادة للاكتشافات والاختراعات العلميّة.

     أما الفنتازيا فهي تجاوز لحدود الزمان والمكان دون أن تقوم على أيّ أسسٍ علميّة، أيّ تعدّ خيالًا جامحًا لا يتوقف عند حدودٍ معينة، ولا يمكن أن يتحقّق في المستقبل أو في أي زمنٍ آخر.

     وقد أشعل “أرخميدس” فكره ليتوصل لفكرةٍ حتى شقّ عليه الأمر، وذهب إلى الحمام للاستحمام فلاحظ ارتفاع الماء في الحوض، وفيضانه من الجوانب أثناء نزوله فيه، فألهب منظر إزاحة الماء خيال “أرخميدس”، وأيقن أنّه توصّل لحلّ مشكلة التاج.

     كما أخضع “أرخميدس” هذه الفكرة للاختبار، واكتشف أنّ مقدار الماء الذي أزاحه التاج أكبر من مقدار الماء الذي أزاحه مقدارٌ من الذهب الذي بنفس وزن التاج، وأقلّ من مقدار الماء الذي أزاحه وزنٌ معادل لوزن الفضة، وتوصّل إلى أنّ التاج لم يكن مصنوعًا من الذهب الخالص، ولا الفضة الخالصة، وإنما مزيجًا من الذهب والفضة، وبذلك اكتشف غش الصائغ.

     وعندمَا قرأَ العالِمُ الألمانيُّ «هرمان أوبرت» سنةَ 1906م روايةَ جول فيرن “مِن الأرضِ إلَى القمرِ”، أثارَ خيالهُ مَا فِي القصةِ مِن صورٍ عَن عالمِ الفضاءِ بصواريخِهِ وكواكبِهِ، فتساءَلَ ذلكَ العالِمُ الصغيرُ: هلْ يمكنُ أنْ يحدثَ هذَا؟ فأجابتهُ أمُّه: كلُّ الأعمالِ الكبيرةِ تبدأُ بالأحلامِ، ثمَّ يسعَى النَّاسُ لتحقيقِ هذِهِ الأحلامِ. ومنذُ ذلكَ الوقتِ أخذَ هرمان يفكِّرُ فِي المدفعِ الذِي أطلقَ قذيفةَ جول فيرن نحوَ القمرِ بسرعةِ أحد عشر كيلومترًا فِي الثانيةِ، وظلَّ يفكِّرُ فِي كيفيَّةِ التخلُّصِ مِن الجاذبيَّةِ الأرضيَّةِ، وفي كيفيَّةِ صنعِ هذِهِ القذيفةِ.

     ولمْ تُصنع الطائرةُ الهليكوبتر قبل 1940، ورغمَ ذلكَ رسمَ “دافنشي” شكلًا بدائيًّا لهَا قبلَ مئاتِ السنين، ووضعَ تعليماتِ وطرق تشغيلِهَا، وكانتْ آلةُ “دافنشي” مصنوعةً مِن الكتَّانِ، وأعوادِ القصبِ، وذيَّلَ تلكَ الرسوماتِ بأنَّهُ “لوْ صُنعتْ مروحةٌ معَ تلكَ الآلةِ ستنتجُ دوامةً هوائيَّةً تجعلُ الآلةَ ترتفعُ فِي الهواءِ”.

     وفِي عامِ 2002 م استعانَ خبيرُ الروبوتات “مارك روزهيم” Mark Rosheim، وصاحبُ شركةٍ لتصنيعِ الروبوتاتِ بنموذجِ دافنشي لعملِ إنسانٍ آليٍّ لصالحِ وكالةِ ناسَا الفضائيّةِ.

     وقد ذكر المخترع اليابانيّ ناكاماتس بأنّ له أكثر من 3200 براءة اختراع، وبهذا فهو أكثر شخص في العالم حصل على براءات اختراع، يليه في المرتبة الثانية توماس إديسون الذي سجّل 1093 براءة اختراع. وتختلف النظرة إلى “الثورة الروبوتيّة” بحسب اختلاف الثقافات، فالثورة الروبوتيّة عند اليابانيين تُعدّ ثقافة أساسيّة نشأوا على معرفتها.

     كما أجرت ألمانيا تجربة جديدة في مطار “دوسلدورف”، وهي رَكْن السيارات آليًّا عن طريق “راي” الروبوت الآليّ، الذي يقوم بحمل السيارة من منطقة المغادرين؛ لِيعِيدها إلى المسافر مرةً أخرى بعد عودته من الرحلة، من خلال تطبيق يتمّ تحميله على الهواتف الذكيّة.

     وأنشأتْ وكالةُ الفضاءِ الأوروبيَّةُ إيسا مشروعًا؛ للتنقيبِ فِي أعمالِ الخيالِ العلميّ الجديدةِ والقديمةِ مِن أفلامٍ ورواياتٍ وغيرها؛ للحصولِ علَى تقنياتٍ مبتكرةٍ تصلحُ لمجالاتِ الفضاءِ، فخرجتِ الدراسةُ بـ 250 فكرةً قابلةً للتطبيقِ.

     وفي أمريكا طرحت صحيفة “وول ستريت جورنال” موضوع تنافس شركات الطيران العالميّة في التكنولوجيا، حيث وجّهت أضخم شركات الطيران في العالم إلى نماذج النقل الجويّ، والتي كانت سابقًا مجرّد خيالٍ علميّ.

     والخيال يصبح بهذه الصورة الأخيرة أداة يستخدمها الإنسان لإدراك بعض العلاقات بين الأشياء أو القيم، فالبطولة عنصر من عناصر إثارة الخيال لدى الطفل يندفع متأثرًا بها للاهتمام بالبطل وإضافة ما يستطيعه على تصرفاته؛ ليحقق بذلك صورة البطل المتفوق الذي ينتصر على الأخطار ويحقق الأمنيات، وهي الصورة التي يريد الطفل أن يكون بطلها وصاحبها، والخيال وسيلة من وسائل إدراك العلاقات بين الأفكار والصور والألفاظ، وذلك حيث يتحمل اللفظ والتركيب شحنة من الإشعاع تنقله خلال التعبير من ساحة الحقيقة إلى ساحة المجاز.

     فالدول لا تتقدًم بدون تنميةِ الخيال، والخيال هو المحرّك الأساسيّ لتطوّر الدول ورقيّها، والخيال موجود لدى كلّ الشعوب، ولكن هل تعمل الدولة على رعاية خيال شعوبها وتؤمن بذلك؟

أهم المراجع:

الجاجي، محمد أديب. (1999). أدب الأطفال في المنظور الإسلامي دراسة وتقويم. عمان: دار عمار.

العقيلي، عزيزة. (2017) تنمية الخيال العلمي

       الميهي، رجب السيد ونويجي، إيمان عبد الكريم (2009). أثر اختلاف استراتيجية قراءة قصص الخيال العلمي ونمط قراءتها على تنمية التخيل العلمي والاتجاه نحو الخيال العلمي لدى طلاب المرحلة الثانوية ذوي أنماط معالجة المعلومات المختلفة. مجلة دراسات تربوية واجتماعية، كلية التربية جامعة حلوان-مصر، 15(3)، 265- 312.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *